عبقرية المصطفى صلى الله عليه وسلّم

عندما ألف العقاد تحفته في عبقرية المصطفى صلى الله عليه وسلم؛عندها شكك البعض في نوايا العقاد،وقالوا كيف يخوض مفكر في سيرة خير خلق الله ويأولها تأويلاً ويضع السيرة تحت مظلة الفكر الفلسفيّ؟!.
عدو الإنسان الجهل،وكمال الأشياء هو رجاحة العقل،وصفاء القلب،وأحسن الناس من لا يسئ الظن بالناس حتى يتثبّت ويتوخّى الحذر؛إن من الجليّ في عباس العقاد أنه عشق الفكرة الفلسفية عند نيتشه ألألماني في"السوبرمان"أو عبقرية الإنسان،ولكن مدى تحقق ذلك الظن في كتابه المشار يلزمنا بقراءة متأنيّةٍ متحققة تقف عند كلماته الدلالاية،وتعرف قصديّة النهج،وتستخبر المرجعية الشخصية والعامّة والفقهية وتقيس الأشياء دون خلل ودون ليّ للحقائق..
على العموم،فللمصطفى خصالٌ إنسانيّة فذة؛وهذه حسب الفهم التذوّقيّ والمصطلحيّ الأصاليّ ما يُسمّى ب"اللوزعية والرقيّ النامي"..
إن محمد بن عبد الله كان بشرًا قبل أن يكون رسولاً،وقد فضّله الله تعالى بمجموع صفاته الخيّرة لحمل الأمانة ولمعرفة ربنا جل وعلا بمجموع سمات وصفات الرسول الذي سيحمل على عاتقه همّ أعظم رسالة تهدي الناس لسواء السبيل،ترسي العدل،تخرج الناس من ظلام الجهل إلى ألمعيّة الحقيقة،تُحيي في النفس العزة والكرامة،وتنفي الجاهلية المظلمة،تشرق في النفس رقيّاً وجلالاً...
**
إن العبقرية إذا أريد بها اللوزعية والصفاء الروحيّ والعقليّ فهى حق،وإذا أريد بها أن رسولنا أشرق على البشرية بعبقريته الخاصّة فهى باطل أريد به حق،فما على الرسول إلا البلاغ،ولكن من جملة التماميّات الخلقيّة والسمات التي تؤهّل الرسول لحمل أمانة الرسالة اللوزعية وصفات تفوق صفات البشر العاديين..
إن الناظر في سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلّم يرى بجلاء ألمعيته،وعظم أخلاقه،وتمامها،ووفرة ذكائه،واعتدال مقصده،ورأفته،وصبره الشديد،وتحمّله الضيم ،ومحاربته الظلم،وإصراره على موقفه،وكل تلك الصفات وفقه الله تعالى لها،وقد كان بشراً ومع ذلك فكان متكامل الخلق والخُلق ،فالعبقرية (وسنبحث عنها بحثاً أصاليّاً تفصيليّاً فيما بعد)ليست من جوانب النبوة ،وإنما هى من صفات البشر القابلين للخطأ والصواب،والجلاء والرؤية السديدة والكمال الخلقي والخلقيّ مما يؤهّل النبيّ لحمل الأمانة الملقاة على عاتقه؛وقد أدّى المصطفى الأمانة خير التأدية،ووصفه ربّه بأكمل الوصف؛فقال تعالى:
"محمد رسول الله"
"ولو كنتَ فظاً غليظ القلب لانفضّوا من حولك"
"وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين"