توبة أبي نواس(الحسن بن هانئ)

بسم الله الرحمن الرحيم

إلهنا ما أعدلكْ===مليك كل مَن مَلكْ
لبيك إنَّ الحمد لكْ===والشكر لا شريك لكْ

***

يا لجماليّات اللغة وانسيابها في في مجزوء الرجز،والمجمعُ يتيه على العالم بيتينِ كهذين البيتين؛فالقوة والانسجام والترقي والخشوع،والجلال يقطر،والبديع،والتجانس بين"الشكر"و"شريك"في وحدات صوتية تنقل إيقاعاً فريداً..
يالله الحسن بن هانئ(النواسيّ)صاحب الخمريات والتشبيب والغلمان والأهاجي في الأعراب،الثائر على كل شئ والمنتهج في سبيل اللذة المدى؛هذا الشاعر الذي يسيل بقريحة فذة ولا يرضى عن الخمر بديلاً؛حتى ليوصي بأن يدفن تحت كرمة يستقي منها خمراً!!..
أهذا يتوب؟!..
إن الشاعر الحق ذو الحدس الجيد والقريحة والحس الباهر من يرى الحقيقة ولو بعد حين،من يسعى للجلاء بجلاء،من يتروى حتى يدخل باب الريّان فتنبسط الأسارير ويشعّ النور،اليوم حق للمجمع أن يتيه دلالاً وفخراً وألمعية ببيتين كهذين..
حقيقة كان يحيرني أمر ذلك النواسيّ منذ ردح من الدهر،أحببت فيه التجديد مع القوة والجزالة(وليس تقليداً للغرب وما شابه!)،كنت أتروي وأتملى في حركته التجديدية وهجائه الناريّ على المنتهجين نهج القصيدة الجاهلية من وقوفٍ على طلل،أو نواح لأثر،ولكني أتعجب من مجونه الفائق؛أقول بيني وبين نفسي أشاعر بحدس كهذا ولا يرى الحقيقة أبداً؛سبحان الله،وقد يأتيني خاطرٌ ؛أنه كان يقول ما يقول تكلفاً لإعجاب ذوي المجون كحالة بعض شعرائنا اليوم من يكتب عن الجنس لينال رضى النقاد المتعجرفين!!..
ولله في خلقه شئون..
أصبح ما لدينا من فن يُباعُ في سوق النخاسة،أصبح الضمير الذوقيّ متلاشٍ كالضمير القلبيّ(وكليهما سواء!)،وأصبح الشاعر الحقيقيّ نادراً كرقعة الصفاء المتاحة،القلب في ألم والناس في سباق الدنايا،والمسار الصحيح مهجور مقفر،والطريق الهادئ المميز لا يطرقه عابر،والهوية ثكلت بني الضاد إلا من رحم ربي..
وحينما يفيق النواسيّ فليطرب؛وليدحض حجة المتحزلقين(أن التسامي يقتل الإبداع)؛فليواجهني وليبارزني نقداً لهذين البيتين من شاء فإني مجمعٌ أمري وشاكٌّ وعيي؛والله على ما أقول شهيد..

يتبع

الأخ الكريم الأستاذ/أحمد أبو وصال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

وأهلاً ومرحباً في مجمع الأصالة؛دار الأصاليين محبي القيمة ومرتقي أسنمة الضياء؛وتالله لردك مبرز خصال أصاليّة نتغيّاها فمرحى أيها الكريم..

إن سؤالك عن التفكير في مجون النواسيّ من عدمه لمن الأصالة بمكان؛ولقد أشرت في هذا الموضوع أعلاه إلى شئ من هذا القبيل؛فقد يكون كتب ما كتب مجاراة لشعراء عصره؛أو كتبه لشيوع ذكره بشكلٍ مختلف؛ولكن ألا ترى معي أن توبته تؤكد أنه خاض ما خاض عن اقتناعٍ وتلذّذ؟!
ومرة أخرى فالنواسيّ من أبدع الشعراء العرب نظماً وقريحةً واتساقاً وتوليداً وتوشيةً وتهذيباً؛خاض في كل الأغراض ولكن غلب عليه ميله لمعوشقته الخمر؛تفانى في وصفها؛وغالى في ذلك حتى أدهش السمّار..

وأرى أنك تحمل فكراً ألمعيّاً؛فلنتكلم هنا عن النواسيّ(الحسن بن هانئ/أبو نواس)وعن خلفيات ومضامين راقية نستقيها فنيّاً وذوقياً واتعاظاً وانعكاساً عصرياً عسى أن نمتحن بمنهج الأصالة ذوقنا ونصفيه من الشوائب ونزيده بهاءً ونقاءً..

أخوكم